الحمد لله جعل قوة هذه الأمة في إيمانها,وعزها في إسلامها, والتمكين لها في صدق عبادتها, أحمدُه سبحانه وأشكره, وأتوب إليه وأستغفره, وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, دعا إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, كانوا في هذه الأمة قدوتها ومصابيحها, والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.. أما بعد:فاتقوا الله أيها المسلمون إن كنتم مؤمنين
إن أمتنا الإسلامية تمرُّ في هذا الزمان بساعاتٍ رهيبة .. ومحَنٍ عظيمة.. ونوازلَ شديدة.. وأزَمات كثيرة.. ونكَبات متلاحقة ..
لقد تغيَّر حالُ الأمة.. وتبدّل واقعها، وانتكست في حمأة هزيمة قاسيةٍ ثقيلة، كدوحةٍ تآكلت جذورها.. ونُخِر جذعها.. فغدت أمة الأمجاد أمة الإخلاد.. لقد أضحت أمتنا فرقاً مبعثرة متناحرة.. والأمة لا تخرج من نكبة إلا وتُصعَق بأخرى.
.إن المتأمل لواقع أمة الإسلام اليوم ليتحسر ويتألم مما يلاقيه أبناؤها في شتى أرجاء المعمورة: مجاعات وفقر، وقتل وتشريد واضطهاد. وإن النفس لتتفطّر وتعتصر كمدًا إذا تذكرت أن هذه الأمة كانت في يوم من أيام الزمان أعظم دولة نفوذًا وسلطانًا، لكنها لما خالفت أمر ربها وابتعدت عن كتابه مصدَرِ عزّها وسعت وراء أهوائها استشرت فيها الأمراض العظام والأدواء والأسقام، ودبت فيها الأوجاع والآلام، وبدأت ترجع القهقرى وتعود إلى الوراء، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب: 38]. وقد استغل الأعداء حال الأمة فبدؤوا يرشقونها بنبالهم وسهامهم، واحدًا تلو الآخر.فلا يكاد يندمل جرح حتى ينكأ جرح جديد؛ سقطت بغداد على يد التتار، ثم انهارت الأندلس، ثم ألغيت الخلافة الإسلامية العثمانية، وتتابعت الجراحات حتى بلغت ما بلغت اليوم، وبين كل جرح وجرح جرح غائر، وبين كل مصيبة ومصيبة طامة وكارثة.ألا وإن من أغزر الجراحات وأشدها في جسد أمة الإسلام جرح المسجد الأقصى، فإن هذا الجرح لم يبرأ أو يندمل منذ قرابة الستين عامًا،. فهل عجزت أمة الإسلام أمة المليار أن تخمد شرذمة جبانة حقيرة، لو نفخت فيهم لطاروا كالفقاعة من هوائها، ولو بصقت عليهم لغرقوا في مياهها؟!
. وماذا أعظم من اغتصاب الأرض وسلب الحقوق .. والاعتداء على المقدسات .. وقتل الأبرياء ..؟ّّّّ!!
لقد تقرحت أكباد الصالحين كمدًا مما يجرى في الأرض المباركة في فلسطين الحبيبة .. أطفال يصرخون.. وشيوخ يئنون.. ومرضى يتوجَّعون.. ورجال حائرون.. إنه مشهد من مشاهد الحصار.. وصورة من أثره وآثاره .. إن منظر البنات الخمس وهن يلفظن أروحهن الطاهرة البريئة.. وتسيل دماؤهن الزكية .. والتي ستبقى شاهدًا على تفرج عالم بأكمله على مأساة لا تصدق.. وإن هذا المنظر من الصعب أن ينسى ..
إيها المؤمنون : إن كل نفس مؤمنة أبية حرة حق لها أن تتساءل إلى متى هذا الذل؟! وماذا بإمكاننا أن نفعل نصرة لإخواننا الفلسطينيين ؟! لا يدري ماذا يقول المسلم وبماذا يبدأ .. والمجازر الدموية على أرض غزة قد تعدت الشيوخ والنساء والآمنين حتى وصلت الأطفال الصغار!! ومع ذلك كله فالعالم كله يتفرج.. وكأن الأمر لا يعنيه.. فهذا العالم كله شرقاً وغرباً في موقف المتفرج الذي يلوم المعتدى عليه ولا يجرؤ أن يعاتب المجرم فضلاً أن يوقفه عند حده .. فلاحول ولاقوة الإبالله
يقول الرسول : ((لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على لله من أن يراق دم امرئ مسلم)). وفي رواية: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) [رواه الترمذي والنسائي].
وبالرغم من غلاء دم المسلم فإن المجازر باتت تقام للمسلمين في كل مكان .. وأصبح الدم المسلم رخيصاً لا يقام لإراقته وزن ..
إنّ مما لايخفى على أحدٍ ما يتعرض له إخواننا في القدس وفلسطين وهم يذودون عن حياض الإسلام ومقدساته، وكيف يتعرضون للقتل بوحشية وهمجية من اليهود المعتدين ..رأينا فيها دماءنا التي أهدرت .. رأينا فيها كرمتنا التي مرغت .. رأينا بيوتنا تحرق وتهدم .. وأشجارنا تجتث .. رأينا نساءنا تهان كرامتهن
أيها الأحبة .. حديثنا يتجدد عن فلسطين .. فلسطين التي يدمى جرحها كل يوم، فماذا فعلنا لها، ماذا قدمنا من تضحيات .. وماذا حققنا من التنازلات .. وهل أدينا أقل الواجبات؟! أمام صيحات أمهاتنا وأخواتنا المكلومات؟! نداءات استغاثة يقدمها إخواننا كلَّ يوم في أرض الإسراء والمعراج، قدموا دماءهم وبذلوا أرواحهم وهدمت منازلهم وحوصروا في ديارهم؟! فهل قمنا بأبسط أدوار النصرة لهم؟ إنها فلسطين .. الأرض المقدسة .. قبلة الأمة الأولى وبوابة السماء ومهد الأنبياء وميراث الأجداد .. مسؤولية الأحفاد .. معراج محمدي .. وعهد عمري .. إلى مسجدها تشد الرحال ومن قبله تشد الأبدان والنفوس والأفئدة.
الأرض المقدسة : إنها الأرض المقدسة .. فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات .. وكتبت تاريخها بدماء الصحابة، وطهرت بعد فضل الله بسيوفهم. تسلَّمها أبو حفص عمر ثم تتابعت حكومات الإسلام في أرضها وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، ، وحكموه قروناً طويلة ثم احتله الصليبيون تسعين عاماً فأخرجهم صلاح الدين رحمه الله .. حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد .. وإن احتله اليهود هذه الأيام فإنهم لن يخرجوا إلا بأمثال عمر وصلاح .. إنها فلسطين المشرفة .. وقدسها المقدسة
عباد الله، إن ما يجري في فلسطين المحتلة لهو امتحان شديد لأمة الإسلام؛ لأن القدس والمسجد الأقصى والبقاع الطاهرة هناك ليست لأهل فلسطين فقط، ولا للعرب أيضًا، بل هي لكل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فلا يملك أحد كائنًا من كان أن يتنازل عن شبر من أرضها لليهود الغاصبين، فهي أرض المسلمين أجمع، تفدى بالأرواح والمهج.
عباد الله، إن المأساة أليمة، وإن الخطب جسيم، وإن الذي يحدث هو مسؤولية كل من رآه أو علم به، إننا والله مسؤولون عن مناظر القتل ومشاهد الفقر والتجويع التي يمارسها اليهود على إخواننا في فلسطين، إننا والله نخشى أن يصيبنا الله بعقوبة من عنده إن لم نقم بأدنى واجبات النصرة
اللهم ربنا عزَّ جارُك وتقدست أسماؤك, اللهم لا يردُّ أمرك, ولا يُهزم جندك, سبحانك وبحمدك, اللهم انصر جندك وأيدهم في فلسطين, اللهم آمن خوفهم, وفك أسرهم, ووحد صفوفهم, وحقق آمالنا وآمالهم, اللهم فرج هَمّ المهمومين, وفُكَّ أسر المأسورين والمعتقلين, وكن لليتامى والأرامل والمساكين, واشف مرضاهم ومرضى المسلمين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم